01‏/07‏/2008

نحويين - من الطراز الأول ...




في كل مرة يشرع الباب لحوارٍ حول النَّحْو ,
أو يقفز اسم المادة يتكرر الخطأ , وتصر على
أن تنطقها بالفتح .. قلت لها : لنرفع شعار
( نَحْوَ لغة سليمة خالية من اللحن )
هل ترينكِ تنطقينها هنا بالفتح أيضاً ؟!
همَّشَتْهُ ووصفته بأن أنسب وصفٍ له
هو أنه ( لاشيء ) ومن ثم فإنه لايستحق الاهتمام ,
وهذا التبجيل المبالغ فيه , إنما هو خطَلٌ عظيم
في مسيرة الدراسة الجامعية ..
وطال الحديث واخذ والرد ..
وانتهى اللقاء بصلحٍ يقضي ببراءة المتن والسند ,
وثبوت التهمة على التعليق والحاشية .


***

تفصح طالبة بأنها عشقت النحو منذ المرحلة الابتدائية ,
بل وكانت تجمع الفوائد النحوية في دفتر صغير ,
وتحاول إعرابَ مايَعِنُّ لها من جمل ..
ويكبر معها الحلم لتنطلق نحو قسم اللغة العربية
ظناً منها أنها ستجد هناك مبتغاها في التزود
والغوص في عمق هذا العلم ..
ولكنها تفصح عن ماوجدته حين تقول متحدثة
عن محاضرات النحو والصرف: " نجد وقت المحاضرة
كله في قاعدات ومصطلحات لغوية لايطبقن الطالبات مايسمعن " .

كثيرات يقاسمنها الوجع .. والحلم ومر الواقع .


***

تجتمع طالبات اللغة العربية .. يحاولن الاهتداء إلى
إعراب جملة ما تطول الآراء وتتشعب
ولا يصلن إلا بعد تعب وقد لايصلن أبداً .
بينما تصد الكثيرات عن الإعراب أصلا ..
ويعلوك التجهم إن غامرت يوماً ,
وتباحثت معهن في إعراب جملة ما .


***

تفسد الحركات في قراءة القرآن ويتبدل المعنى وينتكس ..
وإن بحثنا عن السبب وجدناه الجهل بالنحو ,
وقد يعزى - في غفلة منا - إلى العلم وتأويلات النحويين .!!

***

نتفق على أن الخلل لم يكن يوماً في ابن هشام
ولا الفارسي ولا الأخفش أو تفاحة العربية ( سيبويه )
ولكنَّ الخلل يكمن في تعاطينا مع ماأبقوه لنا من منجز تراثي .

***

ذات حوار :
قطع حديثنا صوت رجفة اهتزّ لها المكان ..
قلت لرفيقتي : إنه سيبويه تتمزق أوصاله ويرسل أنينه .
وبعثت له حرف عزاء :
أن لا زال هناك من يحتفظ بوعيك ويبقي النحو كما أبقيته .

***

يقضي الجاحظ بأن الغرض من علم النحو : " إقامة نظام
الكلام على وفق لغة العرب بل لحن أو خلط ,
فما كان من هذا العلم يؤدي الغرض فهو المطلوب ,
ومازاد عنه فهو فضول مُضْنٍ يشغل عما هو أهم وأزيد ,
وتركه لما هو أولى منه أولى وأحرى " .


ونجدنا نُصَابُ بهزَّةٍ دماغيةٍ تصيبنا لتقسيماتٍ
متعرجة تأتي على مابقي فينا من ذاكرة واستيعاب ,
ونهلك حينما نقع في ( حيص) الشواذ , و( بيص )
نوادر الضرورات مما لاتستسيغه العقول الحاضرة .

بينما تُنَحَّى ألفاظُ ( عصرنا ) وعبارات ( زماننا )
وتبقى في عتمة الماضي , ونستصعب السهل
بهوان التعقيد والتقعيد .

أما اعراب فلا تسل عنه , فقد وئد منذ زمن ,
وصارت محاضراتنا ركضاً خلف طرق وعرة ,
وتقسيمات شائكة لا نجدها في استعمالاتنا اللغوية ,
أو قراءاتنا التراثية .

وسنجد في البلاغة والأدب تكاليف َ وبحوثاً مستمرة
نطَّلِعُ فيها على كتبِ الأوائل أو نطبق مادُرِسَ , ب
ينما لانكاد نجد في النحو إلا الحفظ وترديد المعلومة .

ونفاجأ بكتب النحو بعد ثلاث سنوات من السعي
العلمي حينما يقدر علينا البحث الصفي , ويصيبنا الندم ,
ألا ليتني عرفتُها قبل اليوم , لتخبرني بما فعل الجدود ..!!

ويقفز التساؤل : لماذا لايبدأ قسم اللغة العربية
بحوثه الصفية ببحث في النحو , وبغوص في كتبه التراثية ,
وبحوثه الحاضرة والحماس في أوجه .؟!
فعلى النحو تقومُ علومُ اللغة بل تقومُ القراءت كلها ..
ومادمنا نتشبثُ بعامل ( الوقت ) ونغرقُ في بوتقة ( المنهج )
المقرر سنُعْزَلُ في شِعْبِ اللَّحْنِ , وسيبقى أنينُ ( سيبويه )
يصدحُ في المدى إلى أن يبعثَ الله من في القبور ,
ويقتصُّ المظلومُ ممن ظلمه .