22‏/10‏/2009

تحتَ أمنِ الإله

.
:



فسُبْحانَكَ اللهُ ياخالِقا..تُسبِّحُ في صُنعهِ الكائنات
وأشدو بِفيْضِكَ يابارئي..وتبسُمُ لي هاؤمُ النجمات
تقولُ بأنكَ توجّتَها..لألئ حُسْنٍ بِذي السماوات
يُطِلُّ لنا قمرٌمُسْتَنيرٌ..ويُرْسِلُ ضوءاً بهِ لألآت
وتحكي الزهورُ ويحكي الكروم ..وتحكي البلابل بالنغمات
وكُلٌّ يُسبِّحُ يرنُمُُ حمداً..من الشُّكْرِشُكراً لِكُلِّ الهِبات
دُعائيَ ياربُّ توَّجْتَهُ ..بِحُسْنِ جوابٍ وحُسْنِ عِطات
وأرفُلُ في بهجتي والرِّضا..وإني أغني بها مُعْجِزات
يقولُ أولاءُأطالِعُ سَعْدٍ..أو الحظُّ يرسُمُكِ لؤلؤات؟
وليسَ التِجائي بربي جوابٌ..لِكُلِّ سُعادٍ أو الخيرُ آت
أُحِبُّكَ ربي وأنتَ رجائي..إليكَ فؤادي يرُفُّ تُقات
أحطت حياتي بعَفْوٍ وسَعْد..ٍولم ترمِني لحظةً للشتات
عِنايةُ ربٍّ كريمٍ رؤوفٍ..أقرّتْ حياتي بِلانكبات
وإن ندَّ بُؤسٌ وإن ندَّ همٌّ..فحتماً يليهِ غداً بسمات
فكُلُّ ظلامٍ يليْهِ انبلاجٌ..لصبحٍ جميلٍ كما السبحات
وينثُرُ ذِكْرُكَ في العُمْرِ عِطراً..ونَغْماً يُلَحَّنُ كالشقشقات
وحينَ أناجيكَ ياخالِقي..وأبكي إليكَ ندى الدمعات
فإنيَ أصْعَدُ رُوحاً وحِسَّاً..وتهتَزُّ نفسي كما قعقعات
وترُفقُ بي حينَ تبعثُ بي..أماناً أماناً كما الهدهدات
أناجيكَ سِرّاً بِكُلِّ السَّطُورِ..وكُلِّ الحكايا وذي الأمنيات
وتُلْهِمُني للرزايا اصطِباري..وتُلْهِمُني للحدِيْثِ الصِّفات
وتُلْهِمُني الحُبَّ قُدّاسَهُ..وللشَّوْقِ طوقاً لِأجلِ النجاة
أأبكي الأناس وأحسو اليباس..وأترُكُ من كونَ السماوات
إلهي طبيبي وأنت مُجيبي..إليكَ التِجائي بِكُلِّ الهنات
وحينَ أحارُ بأيِّ اتِّجاهٍ..أسيْرُ وأمضي بأيِّ الجِهات
أسائِلُ ربي فأينَ الطريقِ ؟..فأبصِرُ نوراً يُضيءُ الحياة
لك َالحمدُ ربي بقدرِ النَّفس.. وقدرِ المحبة في النبضات

20‏/01‏/2009

أنا والشتاء ..!!




أنا والشتاء حكاية رحيل !
لا أجد فيه غير بياض الصفحات الفارغة
ولاألتقي منه سوى بأغصانِ اليباسِ , والكرزِ المُثلّج .


لاأجد فيه غير البرد , وليس ثمة دفْ
لأن حطب التصبر قد نفد !


رائحة رفاتِ أجنحة الطيور المهاجرة
هو عطري في هذا الشتاء ؟
والزنجبيل شرابٌ أتجرعهُ ولاأستسيغه .


أتوحدُ في بياتي الشتوي .. تحت ملايتي .. ولاأجد غير
أعقابِ الأطعمة , لأن الحياة الشتوية تختصر في
جملة واحدة ( حيثما أجد الدفء سأكون ).

سماعةُ الهاتف باردة ( تلهب ) أذني
والطرقُ تتنفسُ أبخرة الصقيع
وأبواقُ السياراتِ تشحذُ التقلب
بتكاسل من الفُرُشِ الدافئة .


أتقلب بين مساءات الشتاء الطويلة المقيتة
وبين نهاراته السريعة الخاطفة .

أضطرُّ للتوقظ صباحاً ..
دون القدرة على استنشاقِ الصباح
فلم يعُد لأنفي قدرةٌ على ممارسة حواسِّه
أنجز مكالماتي / وأبعثُ خطاباتي ورسائلي
ثم أعودُ للتدثرِ بلحافي البنفسجي الدافئ .


يردني المساءُ نحوهُ لأعيش الملل وحدي
قائمة ( الماسنجر) بعد الثانية من منتصف الليل
باردةٌ وفارغة , والكل متدثر برمادية الشتاء
وأنا الوحيدة المخضرة في فصل لايعرفُ النبات
أتقلبُ في صفحاتِ الوحدة ..!


لم يعد للصحف نكهة أشتهيها .. ولم يعُد بها شيء
يستثيرني للقراءة .. سوى واجب الاطلاع
كي لاأبقى في يباسِ الانقطاع !


أحاولُ تذكري فقط .. دون أن أقدر على خلقِ
حياة جديدة ذات ألق ..!


لاأستطيعُ استعذاب أي صوتٍ .. فكُلُّ أصواتِ الشتاءِ
مُصابةٌ بالحُمّى . والبحةِ .. والتهدج !


تلاطمني أمواجُ الصقيع .. وتُغرقني مزاريبُ التجمد
وأنا أحِنُّ إلى مكتبتي كي أتدفأ بغبارها وهدوئها ..!!


للماءِ في الشتاءِ أسرارٌ كثيرةٌ غيرُ الحياة .. وعن مواعيدهِ
أتلكَّؤ بآلافِ الحجج والاعتذارات !

لم يعُد للماءِ شفافية الحياة .. إذا ماسار في عروقِ الهضم.
صارَ لهُ رشرشة البرودة .. وسريانُ انتفاضةِ التجمد !


أتمنى أن يودعني هذا الشتاء بقدرٍ باسِمٍ
فقط كي أحفظ له ابتسامةً في الذاكرة ..!

01‏/07‏/2008

نحويين - من الطراز الأول ...




في كل مرة يشرع الباب لحوارٍ حول النَّحْو ,
أو يقفز اسم المادة يتكرر الخطأ , وتصر على
أن تنطقها بالفتح .. قلت لها : لنرفع شعار
( نَحْوَ لغة سليمة خالية من اللحن )
هل ترينكِ تنطقينها هنا بالفتح أيضاً ؟!
همَّشَتْهُ ووصفته بأن أنسب وصفٍ له
هو أنه ( لاشيء ) ومن ثم فإنه لايستحق الاهتمام ,
وهذا التبجيل المبالغ فيه , إنما هو خطَلٌ عظيم
في مسيرة الدراسة الجامعية ..
وطال الحديث واخذ والرد ..
وانتهى اللقاء بصلحٍ يقضي ببراءة المتن والسند ,
وثبوت التهمة على التعليق والحاشية .


***

تفصح طالبة بأنها عشقت النحو منذ المرحلة الابتدائية ,
بل وكانت تجمع الفوائد النحوية في دفتر صغير ,
وتحاول إعرابَ مايَعِنُّ لها من جمل ..
ويكبر معها الحلم لتنطلق نحو قسم اللغة العربية
ظناً منها أنها ستجد هناك مبتغاها في التزود
والغوص في عمق هذا العلم ..
ولكنها تفصح عن ماوجدته حين تقول متحدثة
عن محاضرات النحو والصرف: " نجد وقت المحاضرة
كله في قاعدات ومصطلحات لغوية لايطبقن الطالبات مايسمعن " .

كثيرات يقاسمنها الوجع .. والحلم ومر الواقع .


***

تجتمع طالبات اللغة العربية .. يحاولن الاهتداء إلى
إعراب جملة ما تطول الآراء وتتشعب
ولا يصلن إلا بعد تعب وقد لايصلن أبداً .
بينما تصد الكثيرات عن الإعراب أصلا ..
ويعلوك التجهم إن غامرت يوماً ,
وتباحثت معهن في إعراب جملة ما .


***

تفسد الحركات في قراءة القرآن ويتبدل المعنى وينتكس ..
وإن بحثنا عن السبب وجدناه الجهل بالنحو ,
وقد يعزى - في غفلة منا - إلى العلم وتأويلات النحويين .!!

***

نتفق على أن الخلل لم يكن يوماً في ابن هشام
ولا الفارسي ولا الأخفش أو تفاحة العربية ( سيبويه )
ولكنَّ الخلل يكمن في تعاطينا مع ماأبقوه لنا من منجز تراثي .

***

ذات حوار :
قطع حديثنا صوت رجفة اهتزّ لها المكان ..
قلت لرفيقتي : إنه سيبويه تتمزق أوصاله ويرسل أنينه .
وبعثت له حرف عزاء :
أن لا زال هناك من يحتفظ بوعيك ويبقي النحو كما أبقيته .

***

يقضي الجاحظ بأن الغرض من علم النحو : " إقامة نظام
الكلام على وفق لغة العرب بل لحن أو خلط ,
فما كان من هذا العلم يؤدي الغرض فهو المطلوب ,
ومازاد عنه فهو فضول مُضْنٍ يشغل عما هو أهم وأزيد ,
وتركه لما هو أولى منه أولى وأحرى " .


ونجدنا نُصَابُ بهزَّةٍ دماغيةٍ تصيبنا لتقسيماتٍ
متعرجة تأتي على مابقي فينا من ذاكرة واستيعاب ,
ونهلك حينما نقع في ( حيص) الشواذ , و( بيص )
نوادر الضرورات مما لاتستسيغه العقول الحاضرة .

بينما تُنَحَّى ألفاظُ ( عصرنا ) وعبارات ( زماننا )
وتبقى في عتمة الماضي , ونستصعب السهل
بهوان التعقيد والتقعيد .

أما اعراب فلا تسل عنه , فقد وئد منذ زمن ,
وصارت محاضراتنا ركضاً خلف طرق وعرة ,
وتقسيمات شائكة لا نجدها في استعمالاتنا اللغوية ,
أو قراءاتنا التراثية .

وسنجد في البلاغة والأدب تكاليف َ وبحوثاً مستمرة
نطَّلِعُ فيها على كتبِ الأوائل أو نطبق مادُرِسَ , ب
ينما لانكاد نجد في النحو إلا الحفظ وترديد المعلومة .

ونفاجأ بكتب النحو بعد ثلاث سنوات من السعي
العلمي حينما يقدر علينا البحث الصفي , ويصيبنا الندم ,
ألا ليتني عرفتُها قبل اليوم , لتخبرني بما فعل الجدود ..!!

ويقفز التساؤل : لماذا لايبدأ قسم اللغة العربية
بحوثه الصفية ببحث في النحو , وبغوص في كتبه التراثية ,
وبحوثه الحاضرة والحماس في أوجه .؟!
فعلى النحو تقومُ علومُ اللغة بل تقومُ القراءت كلها ..
ومادمنا نتشبثُ بعامل ( الوقت ) ونغرقُ في بوتقة ( المنهج )
المقرر سنُعْزَلُ في شِعْبِ اللَّحْنِ , وسيبقى أنينُ ( سيبويه )
يصدحُ في المدى إلى أن يبعثَ الله من في القبور ,
ويقتصُّ المظلومُ ممن ظلمه .



30‏/06‏/2008

تنفيس









ساعةَ استولى على النَّفسِ الضجر ... داعبَ النومُ جفوني والسهر

كلما دافعته عاودنـــــــــــــــــــــي ... قائلاً مالك ياهذا مــــــــفر

تابعٌ جئت إليك فاستعــــــــــــــــذ ... مستجيراً دٌقَّ ناقوس الخطر

نم أياهذا ولاتعبأ بـــــــــــــــــــهم ... لا تفكر .. لاتشارك .. كن حجر

اترك النحو وحُباُ جانبــــــــــــــــاُ ... والتفت نحوَ القوافي والسمر

انسَ هذا الكونَ عِش لهْواً تــــــرى ... لذةً تُنْسِيْكَ هماً وكـــــــــدر

وانتشِ مبتهِجاً واسْعَدْ وسِــــــــــر ... للأماني تاركاً نصباً وجـــــــر

اترك النحو لهم حُرَّاً فمــــــــــــــا ... نافِعٌ تُصْغي لمجدٍ مُحْتَقَر

نحْوٌهٌم يعْقِدُ في الذِّهْنِ البِلــــــــى ... نحْوُهُم يقتُلُ إبداعَ الصٌّور

قام زيدٌ أو تراهُ بائــــــــــــــــــعاً ... أو فمجلوباً لضحكٍ أو سفر

مايفيدُ النّحْوُ قل لي يافتــــــــــى ... زيدُ مضروبٌ بِفِعْلٍ من عمر

قل وأخبرني بحقٍّ ماتـــــــــــــرى ... هذهِ الأمثالُ تُبْقي أو تذر

تصنعُ اللَّحْنَ على اللَّسْنِ فمـــــــا ... صُوِّبَ القولُ بِدَرْسِ يُخْتَبَر

اكتُبِ الدرس فذاكر وامتحـــــــن ... ثم فانجح بعدها تلقى الظفر

صحّ قولٌ فتعافى أو فسَــــــــــد ... لاتُدَقِّق .. لاتُنَقِّب في الحُفَر

ماتَ نحْوُ الحقِّ مايُجْدي البُـــكى ... ابكِ أو لا .. ذاكَ أمرٌ وقدر

لاتقل لي باقيــــــــــــاً ضلَّ هُوَ ... لا تقُل لازال خيراً يُنْتَظر ..

لاتقُلْ .. لاتعتذِر لاتنهنــــــــــــي ... نحوُكُم ماتَ فما تُجْدي العِبَر




13‏/06‏/2008

شذرات حول الالتزام الإسلامي في الأدب



في معنى الالتزام


معناهُ في اللغة :

الالتزام لغة مأخوذٌ من الفعلِ ( لزِمَ ) بمعنى دامَ وثبت َ , والتزمَ الشيء : أوجبه على نفسه. 1


أمَا في اصطلاحِ الأدباء :

فيعرفُهُ د. غنيمي هلال2 بأنه : " التزامُ الشاعِر وجوب مشاركته بالفكرِ والشعورِ والفنِّ في قضايا الوطنية والإنسانية , وفيما يعانون من آلامٍ ومايبنونَ من آمال " .


وهذا التعريفُ مرتبطٌ بالفلسفات التي ارتبطَ بها الالتزامُ في بداية ظهوره كمصطلحٍ محدد المعالم في الأدب , وخصوصاً لدى الواقعية الاشتراكية , ولكن إذا أردنا تعريفاً أشملَ للالتزامِ في الأدب فإنه :

" اعتبارُ الكاتب فنه وسيلة لخدمة فكرة معينة عن الإنسان لالمجرد تسلية غرضها الوحيد المتعة بالجمال ".3

إذاً هو التزام الأديب فكرة أو موقفاً معيناً , والدفاعُ عنه في نتاجه الأدبي .


في معنى الالتزامِ الإسلامي في الأدب


طبعيٌّ أن يرتبط مفهوم ُ الالتزامِ الإسلامي في الأدب بالمفهوم الشامل للالتزام في الأدب , ولكننا إذا تأملنا ذاك المفهوم وجدناه مرتبطاً بفلسفات مختلفة , ومغضياً الطرف عن خصائص كل أدب يرتبط به ذاك الالتزام , إذ إن لكل أدب خصائصه التي يختصُّ بها , والأدب الإسلامي ربما يكون أكثرها خصوصية , أو لنقل مغايرة لتلك المفاهيم .

فالالتزام الإسلامي مختصٌّ بالأديب المسلم لايصدر إلا عنه , كما أنه لايفرضُ على الأديب الدفاعَ عن قضية اجتماعية , أو سياسية كبرى , لكنَّهُ يحدُّه بحدود يختارها الأديب بنفسه حينما يختار التزام الإسلام في حياته , قبل التزامه في أدبه .

وبذا يمكنُ تعريف الالتزام الإسلامي في الأدب بأنه :

التزامُ الأديبِ بمبادئ الإسلام في فنه الصادر عنه .

أو كما يعرفه د. ناصر الخنين بقوله :4"أن يصدر الشاعر المسلم في فن الشعر من خلال نظرة الإسلام للخالق ومخلوقاته ".


***

*___خصائص الالتزام الإسلامي في الأدب __*


1/ أن الالتزامَ الإسلاميَّ مختلِفٌ عن غيره من حيث إنه التزام لاإلزام بدليل " أن الأدباء الإسلاميين ملتزمون وخاصة في هذا العصر الذي لاتوجد فيه للإسلام دولة تلزم أحداً من الأدباء بشيء "5.

فهو التزام بالشريعة التي ارتضاها الأديب لنفسه , قبل أن يرتضيها لفنه الصادر عنه , فالإسلامُ لايلزم الأديب بقضايا معينة ليدافع عنها , ولايبكته إذا ما عبَّرَ عن تجارُبِه , ونزعاته الذاتية , ولكنَّهُ يضعُ لهُ حدوداً يلزمه بعدمِ تجاوزها , مع بقاء الأفق وسطها رحيباً , حتى لايكادُ الأديب أن يشاهد هذه الحدود لشدة سعة ذلك الأفق , إلاماكان من نزوة شيطانية قد تغريه بشجرة الخلد , ليخرج من الجنة الرحيبة , يقول أ.د. محمد بن سعد بن حسين :6"إن جميع الأجناسِ الأدبية يمكن أن تكون داخلة في إطار الالتزام الإسلامي مالم يخالف فيها الأديب أمراً من أوامر الإسلام أو نهياً من نواهيه " .

ويقول د. محمد مصطفى هدارة :7 " الأدب لايشمل على موضوعات بحيث يمكن القول بأن الالتزام يقضي بعدم الخوض في هذا الموضوع أو ذاك , ولكنه يضم ( تجارب ) , والالتزام الإسلامي يقضي بتصفية هذه التجارب , ولن تنفعل النفس المؤمنة التي تغلب هواها بغير المصفاة التي تعبر عن النظرية الإسلامية في كل قضايا الإنسان والوجود دون انحراف ودون زيغ وبهتان , ودون انسياق وراء الغرائز البهيمية والشهوات ".

2/ لاينزعُ الالتزام الإسلامي من الأدب فنيته لأجل القضايا التي يدافع عنها , كما يفعل الوجوديون حين يخصون الالتزام بالنثر , لأنه ميدان أوسع للتعبير , على خلاف الشعر الذي يتطلب جهداًَ فنياً خاصاً ,أو الشيوعيين الذين يخضعون الشعر للقضايا الماركسية ويذللونه له , ولكنه يجعل الفن أحد جناحي الأدب كي يستطيع التحليق , والتأثير , فالرسالة القوية تحتاج إلى حامل قوي كي يتمكن من إيصالها دون تعثر أو استيقاف , كما أن نبل الموضوع لايكفي للحكم على النتاج الأدبي بالجودة , فهو يطلب من الأديب أن يعبر عن قضاياه" بأسلوب الفنان وإيحاءاته وتأثيراته "8 .

يقول الشيخ أبو عقيل الظاهري :9 " الفنون الجميلة ميدان أصيل للالتزام الفكري , إلا أن هذا الالتزام يوجه موضوع الفن ولايؤسس ماهيته ".

3/ الالتزام كما يقول الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي10 مسألة نسبية , فلاينبغي أن ننزع من أديب صفة الالتزام , لأنا وجدنا في شعره مايخل بهذا المبدأ , كما ينبغي أن لانلصق بأديب صفة الالتزام لنص وحيد , أو نصوص قليلة , بينما الغالب ربما يخرج عن هذه الدائرة – أعني دائرة الالتزام - .

على أن هذا التقنين بدءً محبذُ الاستبعاد من مقاييس النقد , والأحكام النقدية , لأنها عملية معقدة , وربما كان من النادر خلو أديب من شطحات أو بعض تجاوزات قد تبعده من دائرة الالتزام , كما أن ثمة نصوصاً قد ضربت شأواً بعيداً في التعبير عن الالتزام الإسلامي , وربما تفوقت على بعض نتاج من صنفوا ضمن دائرة الأدباء الملتزمين , قد تظلم إذا ما وسعنا دائرة الحكم على الأدباء , بعيداً –ربما – عن إحاطة بجميع نتاجهم .

4/ الالتزام الإسلامي لايناقض حرية الأديب , ولايقوضها , ولكنه يحدها بحدود , ويؤطرها بأطر فالحرية المطلقة ضربٌ من الفوضى , بل إن جماعات اللصوص والقتلة وقطاع الطرق كما يقول د. أحمد محمد علي11 تطلب من كل من ينتمي إليها أن يلتزم بما تواضعت عليه الجماعة , والقول بأن الإيمان يعطل الفكر , خاطئ في ظل العقيدة الإسلامية , لأنها سيدة العقائد في التوجيه لإعمال الفكر , وتبجيل العلماء وأهل التدبر .


*___شُبَه والرد عليها ___*


1/ قول القاضي علي الجرجاني :( الدين بمعزل عن الشعر )

فقد جعلَهُ بعض الأدباء حجة للتحرر من الالتزام الإسلامي في الأدب , فالقاضي الجرجاني لايعزل الدين عن الشعر , بقدر ما ينفي صحة الحكم على الشاعر بحسن الاعتقاد , وهو يتعجب ممن ينزع من المتنبي شاعريته بسبب أبيات فيها فساد مذهب في الديانة , بينما لاينزع من أبي نواس هذه الشاعرية على الرغم مما يعج به شعره من انحلال , بل إنهم لاينزعون من أهل الكفر شعراء الجاهلية شاعريتهم بسبب فساد المعتقد .12


2/ قول الأصمعي إن صحت الرواية عنه 13: "الشعر نكد يقوى فى الشر ويسهل فإذا دخل فى الخير ضعف ولان هذا حسان فحل من فحول الشعراء فى الجاهلية فلما جاء الإسلام سقط شعره".

ويردُّ على ذلك بأن الأصمعي ذاته عدَّ حسان من فحول الشعراء , كما أن أكثر شعر حسان المرويِّ عنه بعد الإسلام منحول في أغلبه , فصار الضعف منسوباً بذا إلى مانحل من شعره , وليس إلى ماقاله هو من شعر .14

وينقضُ قول الأصمعي أيضاً , نبوغُ كثيرٍ من الشعراء بعد الإسلام في العصور الاحقة , وسبكهم لأشعارَ جمالية رائقة لايمكن إلا أن تدرج ضمن دائرة الالتزام في الشعر الإسلامي.


يبقى القول بأن التطبيق قد يختلف عن التنظير , فما نجده في نظريات الأدب الإسلامي , لانجده بالضرورة مرتضىً عند بعض نقاد الأدب الإسلامي , ولامثمراً في نتاجِ الأدباء الإسلاميين , لكن تبقى الحدود واضحة , والطريق نير , ويبقى لصاحب النية الصافية , إله عليم يدافعُ عنه , وإن لم يُرْضِ عنه البشر .



# هوامش :

1 المعجم الوسيط : مادة ( لزِمَ)

2 النقد الأدبي الحديث : ص456

3 معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب : ص58

4 الالتزام الإسلامي في الشعر : ص185

5 نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد : ص161

6 الالتزام الإسلامي في الأدب وبحوث أخرى : ص19

7 بحوث ندوة الأدب الإسلامي : الالتزام في الأدب الإسلامي : ص35

8 في الأدب الإسلامي : ص113

9 الالتزام والشرط الجمالي : ص67

10 الأديب المسلم بين الالتزام والإبداع : مجلة الدارة ص173

11 الأدب الإسلامي ضرورة : ص92

12 ينظر السابق : ص90

13 الاستيعاب ج1/ص346

14ينظر الالتزام الإسلامي في الشعر : 315 ومابعدها


*___ثبت المصادر والمراجع والدوريات___*


أولاً : الكتب :


  • الأدب الإسلامي ضرورة : د. أحمد محد علي ,رابطة الجامعات الإسلامية , ط1 , 1411هـ / 1991م.

  • الاستيعاب في معرفة الأصحاب : يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، ت: علي محمد البجاوي , دار الجيل - بيروت – ط1, 1412هـ .

  • الالتزام الإسلامي في الأدب وبحوث أخرى : د. محمد بن سعد بن حسين , ط1, 1404هـ/1984م .

  • الالتزام الإسلامي في الشعر : د. ناصر الخنين , مكتبة الرشد , الرياض , ط1, 1424هـ / 2004م .

  • الالتزام والشرط الجمالي : أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري , ط1, الرياض , 1407هـ/1987م.

  • في الأدب الإسلامي : د. محمود شاكر سعيد , ط1, 1413هـ.

  • معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب : د. مجدي وهبة , كامل المهندس , مكتبة لبنان , بيروت , 1984م .

  • المعجم الوسيط : مجموعة مؤلفين , المكتبة الإسلامية , استانبول / تركيا , دط ,دت .

  • نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد : د. عبد الرحمن رأفت الباشا , دار الأدب الإسلامي , القاهرة , ط4, 1418هـ / 1998م .

  • النقد الأدبي الحديث : د. محمد غنيمي هلال , نهضة مصر , دط, دت .


ثانياً : الدوريات والمحاضرات :

  • بحوث ندوة الأدب الإسلامي المنعقدة في الرياض بتاريخ 16/7/1405هـ : الالتزام الإسلامي في الأدب : د. محمد مصطفى هدارة .

  • مجلة الدارة , العدد الرابع , رجب / شعبان / رمضان , 1411هـ : الأديب المسلم بين الالتزام والإبداع : عبدالعزيز أحمد الرفاعي .



مذهب الصرفة





*__ مقدمة __*


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الرحمة المهداة .. وبعد ...


فهذه ورقاتٌ يسيرة عن مذهب الصرفة .. حاولتْ الكشف عن معنى الصرفة التي ذهب إليه بعض العلماء الأوائل في البحث عن وجوه إعجاز القرآن , مع التعريف بأبرز من ذهب إلى القول بالصرفة , وتفنيد هذا القول بالأدلة .

باستعانة مرجوة من منزل معجزة القرآن , وهادي البشرية بإذنه إلى طريق الرشاد , ثم بتأمل ومراجعة وبحث في بعض الكتب التي تناولت هذا المذهب .

وقد بُذل الجهد – قدر الإمكان – على عدم التنقص من أصحاب مذهب الصرفة , إن صح إطلاق اسم مذهب بدءً عليه , احتفاظاً بما لهم من مكانة علمية , وحق في الاجتهاد , والحكم لله خالق الخلق , والمطلع على مصائر العباد أجمعين .

سائلين المولى أن يغفر لنا ولهم , ويرينا والمسلمين الحق حقاً ويرزقنا اتباعه , والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .

....

...

..

..

.

.

.

*__في معنى الصرفة __*


أصلُ الصرفةِ من الفعلِ صرفَ , والصرفُ لغة هو ردُّ الشيءِ عن وجهِهِ 1.


ويعني بها أصحابُها :

" أنَّ الله صرف العرب عن معارضة القرآن مع قدرتِهم عليها , فكانَ هذا الصرفُ خارِقاً للعادةِ"2 .

وهناكَ معنىً آخرَ للصرفةِ عند بعض أصحابها , و هو :

" أن الله سلبهم العلوم التي يحتاجُ إليها في المعارضة ليجيئوا بمثل القرآن "3.


وقد انتشر مذهبُ الصرفةِ في بيئةِ المعتزلة , كما يقرر كثيرٌ من الباحثين , ووجهُ احتجاجِهم للصرفةِ , " أنهُ إذا جازَ عقلاً عدمُ تعذرِ المعارضةِ , ثم عجز بلغاءُ العربِ – فضلاً عن من دونهم – عن معارضتِهِم وانقطعوا دونه , فذلك برهانٌ على المعجزة " .4

ويرى الإمام محمد أبو زهرة , أن القائلين بالصرفةِ تأثروا في ذلك بأقوال البراهمةِ " في كتابهم " الفيدا " وهو الذي يشتمل على مجموعة من الأشعارِ ليسَ في كلامِ الناسِ مايماثلها في زعمهم , ويقول جمهور علمائهم أن البشر يعجزون عن أن يأتوا بمثلها , لأن براهما صرفهم عن أن يأتوا بمثلها ".5

وينقض د. أبو موسى هذا الرأي , محتجاً بأن البراهمة لم يقولوا مثل أشعار الفيدا احتراماً لها , وليس بمقتضى التكوين , ثم إن كلام البراهمة في الفيدا كان محل سخرية العقل الإسلامي , فلا مستنصر لهذا الرأي , 6 وكل هذا لاينكر وجود التأثر , فالتأثر برأي لايوجب نقلهُ كاملاً , كما أن السخرية بالبراهما , قد تؤدي إلى تنزيل الصرف على القرآن , وإن كان من وجه مختلف لأنه الكتابُ المُعْجِزُ حقَّاً .


*__القائلونَ بِهَا __*


  1. يرى كثيرٌ من المؤرخين لهذه الدعوى , أنها بدأت بالظهورِ والجلاءِ في بيئة المعتزلة , على يدِ أبي إسحاقَ إبراهيم بن سيَّار النظام ( ت 224هـ) , والذي يوصَفُ بأنهُ صاحِبُ نباهة وبيان , وسرعة في الجواب , وفصاحةٍ ولسنٍ في القول , يقول عنه تلميذهُ الجاحظ ( ت 255هـ) :7 " وَإنما كان عيبُهُ الذي لا يفارقه سوءَ ظنِّهِ وجَودة َ قياسِهِ عَلَى العارض والخاطر ... كان يظنُّ ثمَّ يقيس عليه وينسى أنَّ بدءَ أمرِه كان ظَنّاً فإذا أتقنَ ذلك وأيقنَ جَزَم عليهِ " .


  1. وقد فنَّد الجاحظُ دعوى أستاذه , في كتابٍ مفقودٍ سماهُ ( الاحتجاج لنظم القرآن ) , قال في مقدمتهِ : 8" فلم أدع فيه مسألةً لرافضي , ولا لحديثي , ولالحشوي , ولالكافر مباد , ولالمنافق مقموع , ولالأصحاب النظام , ولمن نجم بعد النظام ممن يزعم أن القرآن حق , وليس تأليفه بحجة , وأنه تنزيل , وليس ببرهان ولادلالة ". وقد رجح الرافعي في كتابهِ ( إعجاز القرآن ) أن الجاحظ تابع طائفته المعتزلة في القول بالصرفة , وإن كان له رأيٌ في أن القرآن في الدرجة العليا من الفصاحة , حيث يقول عنه : 9" لم يسلم ... من القول بالصرفة , وإن كان قد أخفاها وأومأ إليها من عُرض " , مستدلاً للجاحظ بقوله في كتاب الحيوان :10" ومثل ذلك ما رفع من أوهام العَرب وصرف نفوسهم عن المعارَضَة ِ للقرآن بَعْدَ أنْ تحدَّاهم الرَّسولُ بنظْمه ". وقد نفى د. أبو موسى عن الجاحظ هذا الانتساب لمذهب الصرفة بتفريقه بين مراد الجاحظ , ومراد شيخه ومن تبعه في القول بالصرفة حيث يقول :11" والصرفُ هنا مباينٌ للصرفة التي ذكرها النظام, وأنكرها الجاحظ ... فلولا الصرف عند النظام لجاءوا بمثله , أمَّا صرفةُ الجاحظ هذه فلولاها لطمعوا فيه " 12, بمعنى أنهم لولا هذه الصرفة لما استطاعوا حتى الإتيان بمثله , وإنما أغلقَ بهذا الباب على ذوي الشُبَهِ , والأعرابِ ممن لاحاجز له من تمكنٍ بالدين , أو من النساء اللاتي لاتدبر لهن .

  1. مُفَكِّرٌ آخرَ رأى بالصرفة في تفسير إعجاز القرآن , وهُو الشريف المُرتضى (ت 463هـ) من الشيعة المتهم بوضع كتاب ( نهج البلاغة ) المنسوب للإمام علي – رضي الله عنه - , وقد كانَ لهُ تَوَجُّهٌ آخرَ في تفسيرِ الصرفةِ حيثُ فسَّرَها بأنَّ " اللهَ تعالى سلبهُمُ العلومَ التي يُحتاجُ إليها في مُعارضَةِ القرآنِ والإتيانِ بمثلِهِ".13

  1. تابع ابنُ سنان الخفاجي ( ت466هـ) الشريف المرتضى في تفسيرِه للصرفةِ حيث قال :14 " وإذا عدنا إلى التحقيق وجدنا وجه إعجاز القرآن صرف العرب عن معارضته بأن سلبوا العلوم التي بها كانوا يتمكنون من المعارضة في وقت مرامهم ذلك " .

  1. وممن قال بها أيضاً الفقية أبي حزم الأندلسي الظاهري , الذي رأى أن القرآنَ ليس مُعْجِزاً في ذاتِهِ , بل لِأنَّ اللهَ صرفَ العربَ عن الإتيانِ بمثلِهِ , حيثُ يقول بعد إيرادهِ عدةَ آياتٍ من كتابِ الله عزوجل :15" فكان هذا كله إذ قاله غير الله عز وجل غير معجز بلا خلاف إذ لم يقل أحد من أهل الإسلام أن كلام غير الله تعالى معجز لكن لما قاله الله تعالى وجعله كلاما له أصاره معجزا ومنع من مماثلته وهذا برهان كافٍ لا يحتاجُ إلى غيره " .



*__ردُّ شُبهةِ القولِ بالصَّرْفَةِ __*


كانَ لِظهورِ هذه الشبهة حولَ إعجازِ القرآنِ أثرٌ كبيرٌ في ثراءِ مكتبةِ الإعجاز البلاغي في القرآن , حيث تصدى لهذه الشبهة عددٌ كبيرٌ من العلماءِ بالردِّ والتفنيد , وإثباتِ وجوهٍ متعددةٍ لإعجازِ القرآنِ في ذاتِهِ , وليسَ بسببِ الصرفِ والمنعِ ؛ لأنَّ التسليمَ بِهذا القولَ يُفضي إلى نقضِ إجماعِ الأمةِ على إضافةِ الإعجازِ للقرآنِ كما قالَ الإمامُ الزركشيُّ :16 " فكيف يكون معجزا غيره وليس فيه صفة إعجاز بل المعجز هو الله تعالى حيث سلبهم قدرتهم عن الإتيان بمثله , وأيضا يلزم من القول بالصرفة فساد آخر وهو زوال الإعجاز بزوال زمان التحدي وخلو القرآن من الإعجاز وفي ذلك خرق لإجماع الأمة فإنهم أجمعوا على بقاء معجزة الرسول العظمى ولا معجزة له باقية سوى القرآن وخلوه من الإعجاز يبطل كونه معجزة ".

هذا ويمكنُ تفنيدُ القولِ بالصرفةِ بأدلةٍ عديدةٍ منها :

  1. تحدي اللهِ لهُم في آياتٍ عديدةٍ من كتابهِ المعجز من ذلك قوله سبحانه وتعالى :{ قل لئن اجتمعت الإنسُ والجِنُّ على أنْ يأتُوا بِمِثلِ هذا القرآن ِ لايأتُونَ بِمِثْلِهِ ولو كانَ بعضُهُم لِبَعْضٍ ظَهِيْراً }[ الإسراء :88] ." فإنه يدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم ولو سلبوا القدرة لم يبقَ لهم فائدة , لاجتماعهم لمنزلته منزلة اجتماعِ الموتى , وليسَ عجزُ الموتى مما يحتفلُ بِذِكْرِه ".17

وفي الآيةِ وجه آخرَ ذكرهُ الخطابي مفادهُ أن الأمر في الآية يتطلب الاجتهادَ والتكلف , وسبيله الاحتشادُ والتأهب , والصرفةُ تخالف هذا المعنى , فدل على أن المراد غيرها !!.18

أما الشيخ عبدالقاهر الجرجاني فيرد على أهل الصرفة من الآية بأن من لم يستطع هذا النظم في الذي مضى , ولن يستطيعه في الذي هو آت, وأنه لايقال لمن كان يستطيعه فيما مضى ثم صار لايستطيعه , والقولُ بذلك خروج بالكلام عن معانيه , وإنما يقال فيمن كان يقدر على الشيء ثم عاد لايقدر عليه... , وبهذا يتبين بطلان القول بالصرفة على هذا الوجه ".19

  1. وصف الله تعالى القرآن" بأوصافٍ ذاتية تجعله في منزلة لاتصل إليها المعجزات الأخرى , وبين أن وجود القرآن بينهم يتلى عليهم كافياً ومغنياً عن كل معجزة مادية أخرى :{ وقالوا لولا أُنْزِلَ عليهِ آياتٌ من ربِّهِ قل إنما الآياتُ عند الله وإنما أنا نذيرٌ مبين * أولَم يكفِهِم أنَّا أنزلنا عليكَ الكتابَ يُتلى عليهم إن في ذلكَ لرحمةً وذكرى لقومٍ يؤمنُونَ }.[ العنكبوت :50-51]

... فالقولُ بالصرفةِ يسلبُ هذهِ الصفاتِ الذاتيةِ عنِ القرآنِ الكريمِ ويجعلَ الإعجاز في المنع الذي حال بينهم وبين الإتيان بمثله ".20

  1. أن محاولة العرب معارضة القرآن , تنفي القول إن الله صرفهم بصرف الدواعي عن الاهتمام بالمعارضة , ولجوؤهم إلى الضرب والطعن ومحاولة التخلص من النبي –صلى الله عليه وسلم – ومن معجزته ؛ تؤكد عِظمَ المُعجِزة ووضوح العَجْزِ بعدَ طولِ المحاولة , حتى عجزوا عن المعارضة ولو بأقصر سورة 21, كما أن ماذهب إليه أهل الصرفة من أن الصرف خاصٌّ بزمن التحدي , ومحاولة مسيلمة وغيره المعارضة , ثم فشلهم في ذلك , ينفي كون الإعجاز بالصرفة , فالنظام من كبار الفصحاء , ومااستطاع المعارضة , والمتنبي شاغل الناس عجز عن تأليفٍ عربي يضاهي القرآن في رفعة أسلوبه ونظمه .

  1. في الرد على قول المرتضى , ومتابِعِهِ ابن سنان , من أن الله سلب من العرب العلوم التي يحتاجونها في معارضة القرآن , فإن المتأمل لأساليب العرب قبل البعثة وبعدها لم يجد تفاوتاً في أساليبهم , ولو كانت علومهم سلبت فلمَ لم يلجأوا إلى كلام قدمائهم , ولمَ لم يشيعوا أن علومهم سُلِبَتْ مِنْهُم , ثم إنهم لم يدعوا أن علومهم سلبت بطريق السحر كما افتروا إن تأثير القرآن على الأنفس كان بسبب السحر .!!؟22

  1. كانَ القرآن معجزاً بذاتِهِ , من وجوهٍ متعددة لاتحصى ,لأنه نزل من عندِ علاَّمِ الغيوب , خالقِ العرب , وصانع لغاتهم , ومبدع تكوينهم , ويكفي للتدليل على أنه لايضاهيه كلام العرب , الاقتباسُ منه في أي خطبة , فإنه يبرز بإشعاعه الإلهي حتى لو لم يميز بأقواس , أو يرتل في خطاب شفهي , ولو سعى شخصٌ لإزالة حرفٍ أو إدخالِ آخر لزالَ الإشعاعُ الإلهي , ولم يعد إلا بعودة النصية للآية والسورة المتلوة .

  1. اجتهدَ أولئكَ في البحث عن سرِ إعجازِ القرآن , لعظمته وإبهارهِ لأسيادِ الفصاحة , ربما أخطأوا , لكن وحده الربُّ –سبحانه – من يحاسب , فيغفر أو يعاقب .

  1. والله نسأل التوفيق للحق , والتجنيب من الشُّبَهِ والظلال .


# هوامش :

1 لسان العرب : مادة ( صرف ).

2 مباحث في علوم القرآن : مناع القطان ص261

3 السابق : الصفحة نفسها .

4 الإعجاز البياني للقرآن : د. عائشة عبد الرحمن : ص72

5 المعجزة الكبرى القرآن : الأمام محمد أبو زهرة ص76

6 الإعجاز البياني : د. محمد أبو موسى ص358

7 الحيوان 2/229 , 230

8 نقلاً عن الإعجاز البياني : ص360

9 تاريخ آداب العرب : 2/97

10 الحيوان :4/89

11 الإعجاز البلاغي : ص363

13 المعجزة الكبرى القرآن : ص79

14 سر الفصاحة : ص100

15 الفصل في الملل 3/12

16 البرهان في علوم القرآن 2/94

17 الإتقان في علوم القرآن : 2/ 314

18 ينظر :نقلاً عن الإعجاز البياني : ص366

19 الإعجاز البياني : ص389

20 مباحث في إعجاز القرآن : د. مصطفى مسلم ص66

21 ينظر مباحث في إعجاز القرآن : ص76, 77

22 ينظر السابق : ص68



*__ثبتُ المَصَادِرِ والمَرَاجِعِ __*


  1. الإتقان في علوم القرآن، تأليف: جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، دار النشر: دار الفكر - لبنان - 1416هـ- 1996م، الطبعة: الأولى، تحقيق: سعيد المندوب .

  2. الإعجاز البياني , تأليف : د. محمد أبو موسى , دار النشر : مكتبة وهبة , مصر , 1418هـ-1997م , الطبعة : الثانية .

  3. الإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن رزق , تأليف : د. عائشة بنت عبدالرحمن _ بنت الشاطئ _ , دار النشر : مكتبة المعارف , مصر , دت , الطبعة : الثانية .

  4. البرهان في علوم القرآن، تأليف: محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي أبو عبد الله، دار النشر: دار المعرفة - بيروت – 1391م، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم.

  5. تاريخ آداب العرب , تأليف : مصطفى صادق الرافعي , دار النشر : دار الكتاب العربي , بيروت – لبنان , 1424هـ - 1996م , الطبعة : الأولى .

  6. الحيوان، تأليف: أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، دار النشر: دار الجيل - لبنان/ بيروت - 1416هـ - 1996م، تحقيق: عبد السلام محمد هارون.

  7. سر الفصاحة، تأليف: الأمير أبي محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1402هـ 1982م، الطبعة: الأولى.

  8. الفصل في الملل والأهواء والنحل، تأليف: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الطاهري أبو محمد، دار النشر: مكتبة الخانجي – القاهرة , دط , دت .

  9. لسان العرب، تأليف: محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار النشر: دار صادر - بيروت، الطبعة: الأولى.

  10. مباحث في إعجاز القرآن , تأليف : د.مصطفى مسلم, دار النشر : دار مسلم – الرياض , 1416هـ - 1996م , الطبعة : الثانية .

  11. مباحث في علوم القرآن , تأليف : الشيخ مناع القطان , دار النشر : مؤسسة الرسالة , 1416هـ - 1996م – الطبعة : التاسعة والعشرون .

  12. المعجزة الكبرى في القرآن : تأليف : الإمام محمد أبو زهرة , دار النشر : دار الفكر العربي ,دط, دت .